أخاف على زوجتي.. فما الحل؟!


إخراج المرأة من منزلها بعد وفاة الزوج من الأمور التي تشغل تفكير بعض الرجال، خصوصًا في حال تعدد الزوجات أو وجود خلافات عائلية تهدد استقرار السكن. وفي المقابل، يخشى بعض الرجال من نقل ملكية المنزل إلى الزوجة في حياته، خوفًا من المشكلات المستقبلية. وقد استشارني في هذا الموضوع أكثر من شخص، وأعذرهم على خوفهم لما سمعته من قصص تكدر الخاطر وتحزن الفؤاد.


ومن طريف المواقف أن أحدهم تواصل معي قبل سنوات قائلًا: "لدي خمس بنات متزوجات، وليس لدي أبناء، وأخشى بعد وفاتي أن يدخل إخوتي في الإرث من منزلي، وهو كل ما أملك. لذلك، أرغب في نقل ملكية المنزل لبناتي." فقلت له: "لو فعلنا ما تفكر فيه، ثم توفيت إحدى بناتك، فسيدخل زوجها وأولادها في الميراث، ولو توفي زوجها بعدها، فقد ينتقل نصيبها إلى أهل زوجها، وهكذا..." رأيت الدهشة في وجهه، وكأنه لم يفكر في هذا الأمر.


فقلت له بلطف: "الله عز وجل تكفّل بأرزاق عباده، فلا تُرهق نفسك بالتفكير في ورثتك بعد وفاتك."وهذا لا يعني إهمال الأسباب التي تقلل من النزاعات المحتملة، فسأذكر في نهاية هذا المقال بعض الحلول العملية لتقليل هذه المخاطر القانونية دون ظلم أو جور على أحد من الورثة، ودون تمييز البنات عن الأولاد أو العكس، أو تفضيل بعضهم على بعض، لأن ذلك من الجور الذي نهى عنه النبي ﷺ.

قبل الحديث عن الحلول القانونية، من المهم التأكيد على بعض الأمور:


أولًا: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا):
يجب أن نؤمن بأن قسمة الميراث فريضة من الله لحكمة يعلمها سبحانه، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: 36]. ومما يدل على أهمية المواريث ووجوب التسليم لأمر الله، أن الله عز وجل تولى قسمتها بنفسه، فلم يكلها إلى ملك مقرب ولا إلى نبي مرسل. بل فصل الله أحكام المواريث في سورة النساء بنفسه.

وهذا دليل على أهميتها وخطر التعدي عليها، كما أنه سبحانه ختم آيات المواريث بقوله تعالى﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۝ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: 13-14].


ثانيًا: (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا):
بعدما فصل الله لنا أحكام المواريث في القرآن، ختم الآية بقوله: ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا﴾ [النساء: 11]. فعلم النفع والضر عند الله وحده، فكم من مورث توقع الخير في بعض ورثته، ثم انقلب حالهم بعد وفاته إلى شر حال، وكم من مورث خاف من بعض ورثته، فتغير حالهم بعد وفاته إلى خير حال. 

ومن طريف القصص أن رجل أعمال، بعد ما كبرت سنه، تزوج فتاة من دولة آسيوية لتخدمه وتشرف على علاجه. وبعد وفاته، حاول بعض الورثة خداعها ومنعها من الميراث أو بعضه، فحكمت المحكمة لها بمبلغ كبير، فأخذت المرأة المال وانتقلت إلى دولتها، وبنت مركزًا إسلاميًا باسم زوجها المتوفى. وقد نُشر الخبر في بعض الصحف في وقتها.


ثالثًا: (وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)
إن العلاقة الزوجية، مهما كانت إيجابية أو سلبية، توجب على الكرام أن يكرموا زوجاتهم، ويحتاطوا لمصالحهن، ويراعوا ضعفهن وقوامتهم عليهن. فالله جل وعلا، بعد أن بين أحكام الطلاق نبه لخلق كريم وأمر عظيم بقوله سبحانه: ﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237].فالإنسان الكريم لا ينسى العشرة والمودة، ولا يتعامل مع الأمور بحسابات مادية مجردة، بل يكون كريمًا رحيمًا، ليظفر بكرم الكريم، ورحمة أرحم الراحمين.


رابعاً: حلول قانونية:
هناك عدد من الحلول القانونية التي يمكن تصميمها لحماية الورثة من نزاعات التركة، وهي تختلف باختلاف هدف المورث، والمال المورث، وعدد الورثة، وجنسهم، واحتياجاتهم، والمخاطر التي تحيط بهم.


لكن من أكثر الأسئلة التي تصلني هي: "أخاف على زوجتي أن يتم إخراجها من المنزل، وأنا لا أملك المزيد من الأموال، وأخاف في حال نقل البيت باسمها أن تتنكر للعشرة، وتطردني من المنزل، أو تطلب الطلاق، وغير ذلك من المخاوف والظنون." 


لذلك، اقترحت على بعضهم أن يقوموا بوقف منفعة البيت على الزوجة بالشروط التالية:
1️⃣ أن يكون الوقف لمنفعة السكن في البيت فقط.
2️⃣ أن يكون محدد المدة بحياة الزوجة.
3️⃣ أن يشترط انتهاء استحقاقها لمنفعة السكن عند طلبها للطلاق.
4️⃣ يكون الوقف منجزًا في حال الصحة والحياة؛ لأنه إذا صار في حال المرض المخوف، فإنه يعامل معاملة الوصية، والوصية لا تجوز لوارث، ولا تجوز بأكثر من ثلث التركة. أما الوقف، فإنه يجوز على الورثة أو بعضهم، ويجوز أن يكون بأكثر من الثلث إذا كان الوقف في حال حياة الواقف، وعدم وجود مانع شرعي يمنع التصرف.


🔹ختاماً:
إن الخوف على الأبناء والزوجة بعد الوفاة أمر طبيعي، لكنه لا ينبغي أن يدفعنا إلى مخالفة أحكام الله في المواريث، بل يجب أن نتعامل مع هذه المخاوف بطرق شرعية وقانونية تحفظ الحقوق، وتقلل النزاعات.

"وقف المنفعة المؤقت" حل عملي يوازن بين رغبة الرجل في تأمين السكن لزوجته، وبين حفظ حقوق الورثة الآخرين، دون أن يُخل بأحكام الإرث أو يؤدي إلى نزاعات مستقبلية.


كتبه: د. عبدالله بن علي العجلان

  • محامٍ، ومحكم، ومدرب معتمد.
  • الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة 3A للمحاماة والاستشارات القانونية.
  • مستشار التطوير والتمكين الإداري للإدارات القانونية والشركات.

📧 البريد الإلكتروني: Dr.alajlan@3a.sa
📱 واتساب: +966503140401
🌐 الموقع الإلكتروني:🔗 www.dr-alajlan.com
📍 LinkedIn:🔗 عبدالله العجلان