أول خطوة في التعامل مع التركات هي فهم طبيعة المشكلة وآثارها على جميع الأطراف. يجب على الورثة تقبل الواقع كما هو، وتجنب تصفية الحسابات القديمة أو محاولة فرض الرأي. فتغليب صوت العقل والحكمة في هذه المرحلة أمر ضروري، لأن العناد والتشبث بالمواقف قد يضر بالجميع، خاصة عند اللجوء للتصفية الجبرية.
من أهم المبادئ في تصفية التركات أن تتسم العملية بالشفافية. يجب أن تكون جميع تفاصيل التركة واضحة ومتاحة للجميع، سواء كانوا ورثة، أو أوصياء، أو نظاراً. ويحق لكل طرف المشاركة في اتخاذ القرارات أو تفويض من يثق به لإدارة نصيبه.
أي تصرف في التركة دون إذن قانوني يعرض القائم عليه للمساءلة، سواء من الناحية الشرعية أو النظامية. قال الله تعالى: "ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين" كما ورد في الأنظمة السعودية نصوص صريحة تمنع التصرف غير المشروع في التركات، مثل المادة 37 من لائحة قسمة الأموال المشتركة، التي تنص على إحالة أي شخص يتصرف بمال مشترك بطريقة غير مشروعة إلى النيابة العامة.
تُعد سلامة الإجراءات القانونية أساسًا لصحة قسمة التركة. أي خطأ في الإجراءات قد يؤدي إلى إبطال القسمة أو إلحاق الضرر بالورثة. على القائمين على التصفية الحرص على اتباع الإجراءات النظامية بدقة لتجنب تبعات قانونية قد تؤدي إلى إلزام الورثة بإعادة توزيع الأموال أو تعويض الأطراف المتضررة.
التعامل مع التركات، خاصة الكبيرة منها، قد يشهد أخطاء متكررة يمكن تجنبها عبر اتخاذ وسائل وقائية، منها:
ميثاق التصفية
يعد ميثاق التصفية وثيقة مهمة تضمن حقوق جميع الأطراف وتحدد المسؤوليات والصلاحيات. يمكن من خلاله وضع آلية لإدارة الخلافات وتقليل النزاعات، ما يسهم في تسريع العملية وحماية حقوق الورثة.
مستشار التصفية
الاستعانة بخبير أو مجلس استشاري يُعد وسيلة فعالة لضمان سير العملية بشكل صحيح. من المهم أن يكون المستشار محايدًا وذو خبرة، ولا تتعارض مصالحه مع أي طرف من الأطراف.
الوساطة في التصفية
تُعد الوساطة أداة مثالية للحد من النزاعات. الوسيط يعمل على تقريب وجهات النظر بين الورثة دون فرض حلول، وتتم جلسات الوساطة بسرية تامة. لا يجوز للوسيط إفشاء ما دار في الجلسات حتى أمام القضاء، مما يجعلها أداة آمنة لبناء الثقة وتحفيز التفاهم بين الأطراف.
قسمة التركات في ظل الأزمات الاقتصادية تتطلب عقلانية وحكمة، مع الالتزام بالقوانين، والعمل بشفافية وعدالة. التعاون بين الورثة واستخدام الوسائل الوقائية مثل ميثاق التصفية، والاستعانة بمستشارين، واللجوء للوساطة يمكن أن يخفف من النزاعات ويضمن حقوق الجميع. التركة ليست مجرد أموال تُقسم، بل مسؤولية تتطلب إدارة واعية تحترم حقوق الأطراف وتحفظ العلاقات.
د. عبدالله بن علي العجلان
للتواصل: