تأثير الأزمات على قسمة التركات

د.عبدالله بن علي العجلان 1441

في ظل الأزمات والركود الاقتصادي يواجه الورثة عدد من التحديات في قسمة الميراث؛ نظراً لانخفاض الأسعار والإحجام عن الشراء والاستثمار، مما يؤدي إلى تعثر التصفية غالباً، وقد سألني -غير واحد-  عن الحل الأمثل في مثل هذه الظروف والأحوال والحقيقة أن التعامل مع التركات -باختصار- هو كالتعامل مع تفصيل الثوب فلا يمكن أن تفصل ثوباً واحداً يناسب جميع الأشخاص، كذلك الميراث والتركات تختلف باختلاف طبيعتها وحجمها وتوافق أطرافها أو اختلافهم، لكني أنبه إلى أمور:

أولاً: إدراك طبيعة المشكلة:

يجب أن يدرك جميع الورثة بأنهم يتعاملون مع مشكلة لها أبعادها وآثارها على جميع الأطراف، وأنهم في هذا المقام يجب أن يفهموا الواقع ويتقبلوه كما هو، وأن يحذروا من محاولة تصفية الحسابات القديمة، أو العناد ومحاولة فرض الرأي على جميع الأطراف، فالمرحلة تقتضي تغليب صوت العقل والحكمة لا صوت العناد والتشفي؛ لأن الجميع قد يتضررون من اللجوء للتصفية الجبرية.

ثانيا: الشفافية والوضوح:

يجب أن يدرك القائمون على تصفية التركة أن جميع الأطراف (الورثة، الأوصياء، النظار) يتساوون في حق معرفة تفاصيل التركة، والمشاركة في اتخاذ القرار أو تفويضه لمن يرغبون تفويضه في التعامل مع نصيبهم في التركة.

ثالثا: عدم التصرف دون إذن:

يجب أن يدرك القائمون على تصفية التركة بأن التصرف فيها دون إذن يعرضهم للعقوبة الدنيوية والأخروية، قال الله تعالى -بعد تفصيل آيات المواريث-: "ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين"، وقال سبحانه: "إن الذين يأكلون أموال اليتاما ظلما إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" ويقول سبحانه: "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة"، وورد في المادة 37 من لائحة قسمة الأموال المشتركة ما نصه: "من استولى بطريق غير مشروع على شيء، من المال المشترك -ولو كان شريكاً -أو تعمد تعطيل دعوى القسمة أو التصفية، فيحال إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات النظامية بحقه".

رابعا: سلامة الإجراءات:

إن سلامة الإجراءات القانونية من الأسس المهمة التي يجب العناية بها؛ نظراً لما يترتب على مخالفتها من أثار سلبية على صحة القسمة، والرجوع بالضرر على المتسببين من الورثة أو المصفين، بل قد يُلزم الورثة برد بعض الأموال التي تصرفوا بها بسبب الخطأ في إجراءات القسمة.

خامسًا: التعلمُ من أخطاء الآخرين:

تعرض بعض الورثة لأخطاء في التعامل مع التركة -لاسيما في التركات الكبيرة- وهذه الأخطاء المتكررة يمكن الوقاية منها قبل حدوثها باتخاذ الوسائل الوقائية المناسبة، ومنها:

الوسيلة الأولى: ميثاق التصفية:

يعد ميثاق التصفية أهم الوسائل المساعدة في #حماية_الورثة حيث يشتمل على مجموعة من الضمانات القانونية التي تكفل لجميع الأطراف حماية حقوقهم، وتحديد مسؤولياتهم وصلاحياتهم، وتفويض من يرونه بإدارة التصفية بحسب ما يقتضيه المقام، كما يمكن للورثة التوافق على آلية إدارة الخلاف والاختلاف في مراحل التصفية؛ للحد من النزاع وتقليل آثاره السلبية على القسمة.

الوسيلة الثانية: مستشار التصفية:

من الوسائل المساعدة في #حماية_الورثة الاستعانة بخبير أو أكثر؛ لتقديم الرأي الفني حول أعمال التصفية، وفق آلية محددة وواضحة لجميع أطراف التركة، ويجب أن يتصف المستشار أو المجلس الاستشاري بصفات منها:

1- الخبرة اللازمة لتقديم الرأي الفني.

2- الاستقلال والحياد، فلا ترتبط مستحقاته المالية بأي شيء من آراءه الفنية.

3- عدم تعارض المصالح مع أي طرف من أطراف التركة.

الوسيلة الثالثة: الوساطة في التصفية:

تعد الوساطة بين أطراف التركة من أفضل الوسائل المساعدة في الوقاية من النزاع والحد من آثاره، حيث يقوم الوسيط بالتواصل مع الأطراف بشكل منفرد أو جماعي -بحسب الحال- ومحاولة تقريب وجهات النظر، وتحفيزهم على اختيار القرارات المناسبة، وتعتبر جلسات الوساطة عالية السرية فلا يجوز للوسيط إفشاء أي من أسرارها لأي طرف حتى للمحكمة، بل لا يجوز للقاضي أن يطلب من الوسيط الشهادة على ما حصل في جلسات الوساطة، ويخطئ بعض الناس حين يعتقد أن الوساطة هي إجبار الآخرين على الصلح أو أنها من قبيل التحاكم العرفي أو القبلي أو أنها ملزمة للأطراف، وهذا لاشك فهم خاطئ، فالوساطة تكون باختيار الأطراف ورغبتهم، ولا تكون ملزمة إلا إذا اتفق الأطراف على نتائجها، ويجوز لأي طرف الانسحاب منها متى ما رغب ذلك.