الأنماط الشخصية وأثرها في هندسة الفرص القانونية

من خلال إشرافي على عدد من الإدارات القانونية وشركات المحاماة، ومن واقع العمل المباشر مع بيئات خدمية واستشارية، لاحظت أن كثيرًا من التحديات التي تواجه الفرق المهنية لا تتعلق بنقص الخبرة أو المعرفة في المجال المهني، بل سببها عدم الوعي باختلاف أنماط الشخصية وأثره في تكوين الفريق وتكامله، وإدارة الفرصة المهنية وإنجازها بقدرة عالية.

بعد تحليل دورة حياة الفرص القانونية أجد أنها تمر بثلاث مراحل مترابطة، وهي: 

الفتح، ثم الإدارة، ثم الإغلاق. وهناك مرحلة أخرى منفصلة عنها قد تكون متصلة بها بحسب ظروف الفرصة وهذه المرحلة أسميها (صناعة الفرص).

من خلال السبر وتنظيم الفرق المختلفة وجدت أن من أنماط الشخصية من يمتلك مهارات فتح الفرصة بالفطرة، بينما يقصر هؤلاء غالباً في إدارة الفرصة وإغلاقها، وهناك نمط آخر يتميز بإدارة الفرصة وإغلاقها، لكنه يعجز عن في فتح الفرصة غالباً، وهناك نمط يفتح الفرصة لكنه يقاوم إغلاقها ويؤجل القرار أكثر من مرة خوفاً من فقد العميل.

ومن هنا آثرت الكتابة عن هذا الموضوع لرفع الوعي بأهمية معرفة الأنماط الشخصية وتأثيرها على تكامل الأدوار في الشركات المهنية وخاصة في مجال المحاماة فالوعي بهذه الفروق الفردية يساعد على بناء الأنظمة الإدارية والتقنية التي تستثمر هذا الاختلاف وتوظفه لصالح الشركة.

أولًا: فتح الفرصة:

فتح الفرصة هي اللحظة التي نقرر فيها أن نُعرّف العميل بقيمتنا، وأن نحول الاحتمال إلى بداية جازمة.

فالمبادرون بطبعهم يبرعون في هذه المرحلة، فهم يجيدون بدء العلاقات وفتح الفرص، وغالبًا ما يمتلكون ثقة ذاتية تجعلهم يعرضون الخدمة قبل أن يطلبها العميل.

أما المحللون فقد يترددون قبل فتح الباب ما لم يبادر العميل وتكون التفاصيل مكتملة.

أما العاطفيون فقد يفتحون الفرصة من باب تطوير العلاقة لا من باب الربح المالي.

أما المنفذون فينتظرون التكليف الصريح والإنجاز السريع ولا يمتلكون روح المبادرة.

وهنا يأتي دور القائد في تهيئة الفريق ورفع الوعي بأهمية "فتح الفرص" بدل انتظارها، وتمكين من يمتلك القدرة على المبادرة بالأدوات والنماذج والأساليب، وتدريب الأنماط الأخرى على مهارات فتح الفرص من خلال الأمثلة العملية والسوابق المهنية.

ثانيًا: إدارة الفرصة:

بعد فتح الفرصة، تبدأ المرحلة الأهم وهي: الحفاظ على الزخم.

ويُقصد بإدارة الفرصة: تكليف من يقوم بفهم احتياج العميل وتأطير العلاقة والتواصل الفعال بالعميل إلى حين تحقيق النضج الكافي لتقديم العقد أو عرض السعر.

ويمكن أن نوضح أبرز الاختلافات في أنماط الشخصية في هذه المرحلة:

  • المحلل يريد أن يعرف كل شيء قبل التحرك.
  • المنفذ يتحرك بسرعة وقد يُهمل بعض التفاصيل.
  • العاطفي يركّز على العلاقة أكثر من التقدم في الحصول على الفرصة.
  • المبادر قد يتشتت سريعًا ويحتاج لمن يتابعه ويساعده في إدارة الفرصة.

وهنا يتجلّى دور القائد في:

  • وضوح المسؤوليات.
  • تحديد نقاط المتابعة.
  • مراقبة الخط الزمني لكل فرصة.
  • التوازن بين الحماس والانضباط.

ثالثًا: إغلاق الفرصة:

الإغلاق لا يعني إنهاء التواصل، بل يعني ترجمة التفاهمات إلى تعاقد أو عرض سعر، أو التوقف عن استنزاف الطاقة في فرصة غير قابلة للتحقيق.

  • المبادر قد يفتح فرصاً كثيرة ويُهمل إغلاقها.
  • المحلل يُطيل في التحليل حتى تفوته لحظة الإغلاق.
  • العاطفي قد يتردد خشية أن يؤثر ذلك على العلاقة.
  • المنفذ يُنهي بسرعة وقد يغفل بعض الجوانب القانونية.

القائد الناجح هو من يربط الإغلاق بجودة العرض، وتوقيت القرار، ويمنح كل عضو في الفريق أدوات تساعده على الحسم دون تهور أو تأخير.

رابعًا: صناعة الفرص:

صناعة الفرص تكون في السياق الاستراتيجي غالباً. فصناعة الفرص لا تعني الانتظار بل الابتكار.

وهي المرحلة التي يبتكر فيها الفريق الفرص من خلال:

  • قراءة الاتجاهات.
  • تطوير المنتجات القانونية.
  • بناء التحالفات.
  • تحويل التحديات إلى خدمات قابلة للبيع.
  • تحليل العملاء الحاليين والمستهدفين. 

وغالبًا ما يقود هذه المرحلة: المبادرون، والمحللون، بينما يحتاج العاطفيون والمنفذون إلى توجيه واضح لربط المهام اليومية بالبعد الاستراتيجي، مثل الوعي باحتياجات العملاء الجديدة أو الطارئة واعتبارها فرصة قابلة للصناعة أو الفتح.

فصناعة الفرص هي المهارة التي تعزز نمو واستدامة العمل، وتحمي الفريق من الركون إلى الفرص العارضة دون سعي أو مبادرة.

خامسًا: اختلاف الأنماط الشخصية فرصة لتكامل الفريق:

لا يوجد نمط أفضل من الآخر، فكل نمط يحمل قيمة. لكنّ التحدي الأكبر هو أن الفرق القانونية تُبنى أحيانًا بنمط واحد، أو يتم تقييم الجميع بمعيار واحد، وهنا يحدث الخلل.


من خلال الرباعية الإدارية للفرص (فتح، إدارة، إغلاق، صناعة)، يمكن للقائد أن:

  • يوزع الأدوار بحسب الأنماط الشخصية والقدرات الذاتية لكل شخص بحسبه.
  • يدمج نقاط القوة المشتركة بين الفريق.
  • يوازن بين التفكير والعاطفة، وبين التحليل والتنفيذ.

كما أن هذه الأنماط (المبادر، المحلل، العاطفي، المنفذ) تمثل صفات غالبة، ويمكن ربطها بأي نموذج علمي لتحليل الشخصية مثل نموذج MBTI أو غيره من النماذج المعتمدة في تحليل الشخصية، دون التقيد بتصنيف معين.

سادساً: النمط الشخصي للعميل:

وأخيراً من المهم إدراك أن العميل أيضاً يملك نمطًا شخصياً، فبعض العملاء يتردد في اتخاذ القرار، وبعضهم يريد الحسم السريع، وبعضهم يحتاج بناء علاقة طويلة قبل اتخاذ القرار. لذلك يجب اختيار الأسلوب المناسب للعميل وترشيح مدير العلاقة والأسلوب المتناسب مع نمط العميل.


"في عالم المهن، لا يكفي أن نعرف التخصص، بل أن نُحسن قراءة الإنسان... فبفهم الأنماط، وتكامل الأدوار، تتحوّل التحديات إلى فرص، والفرص إلى نجاحات."


"القيادة القانونية.. مهارات تتخطى الإطار"

✍️ د. عبدالله بن علي العجلان

محامٍ، ومحكم، ومدرب معتمد

مستشار التطوير والتمكين للإدارات القانونية والشركات

رؤية ثلاثية تجمع بين (القانون، والقيادة، والحياة)

📩 Dr.alajlan@3a.sa

📱 +966503140401 (واتساب)

🌐 www.dr-alajlan.com