اللقاح القانوني لكورونا الأعمال

د.عبدالله بن علي العجلان 1441

تعرضت كثير من الأعمال التجارية لارتداد عكسي ناتج عن الأزمة الاقتصادية العالمية بسبب فايروس كورونا، مما أثر سلباً على الالتزامات التعاقدية بين الملاك والمستثمرين، والتجار والعاملين، والممولين والمقترضين، وغيرهم من المتضررين نتيجة هذه الأزمة. وفي خضم السعي العالمي لإيجاد لقاح فعال يقضي على الفايروس أو يحد من آثاره، فإن من الواجب المهني والأخلاقي تبصير المتضررين من كورونا الأعمال باللقاح الفعال لتجاوز الأزمات التعاقدية وتقليل آثارها المالية من خلال "الوساطة القانونية".

ونقصد بالوساطة القانونية:

هي مبادرة طرفي التعاقد أو أحدهما لاختيار وسيط قانوني للتفاوض حول النزاع القائم أو المحتمل، وذلك بغرض التقليل من آثاره، وتصحيح مسار التعاقد أو إنهائه برضى الطرفين، وينتج عن عملية التفاوض محضر ينهي النزاع بشكل كامل أو جرئي دون الحاجة إلى اللجوء للمحاكم أو التحكيم.

وتمتاز الوساطة القانونية بأمور منها:

  1. أنها اختيارية فيجوز لأي من الطرفين الانسحاب من عملية الوساطة في أي وقت إلا إذا وقع الأطراف على المحضر الختامي فإنه يصير ملزماً ونافذاً بحقهم مالم يخالف الشرع أو النظام.
  2. أن جلساتها سرية فلا يجوز للوسيط ولا للأطراف إفشاء شيء من جلساتها.
  3. أن الوسيط يقوم بدور المصلح والموجه لطرفي التعاقد؛ لتحقيق الاختيار الواعي دون إكراه أو إلزام.
  4. أن الوساطة تحقق النضج الكافي للتعرف على أسباب المشكلة ودوافعها وتقييم آثارها.
  5. أن تكلفتها المالية أقل من تكلفة التحكيم وأتعاب الترافع أمام المحاكم.
  6. أنها تحافظ على العلاقة التجارية الطيبة بين الطرفين.
  7. أنها لا تؤثر سلباً ولا إيجاباً على الالتزامات التعاقدية إلا إذا توافق الأطراف على خلاف ذلك.
  8. أنها تختصر الزمن على الطرفين.
  9. أنها تحقق العدالة الذاتية من قبل الأطراف وعدم التذمم بإخفاء الحجج والبينات أو تكلفها.


والوساطة القانونية تمر بمراحل أهمها:

أولاً: التعاقد مع الوسيط:

يتم التعاقد مع الوسيط إما من قبل الطرفين جميعاً أو من قبل طرف واحد يوضح في هذا العقد طبيعة الخلاف بشكل عام وغرض الوساطة ومدتها وأتعاب الوسيط نظير أعمال الوساطة.

ثانياً: التعرف على مواطن الخلاف:

يقوم الوسيط بالاجتماع بطرفي الخلاف بشكل منفرد أو جماعي؛ وذلك للتعرف على طبيعة العلاقة بينهم ومواطن الخلاف وأسبابه.

ثالثاً: التعرف على دوافع الخلاف:

يقوم الوسيط بالتعرف على الدوافع الظاهرة للخلاف من خلال المناقشة المباشرة لطرفي النزاع، كما يقوم الوسيط "المحترف" بتلمس الدوافع الخفية للخلاف من خلال طرح الأسئلة المباشرة وغير المباشرة لمعرفة الأسباب الحقيقة والتعامل معها بشكل أفضل.

رابعاً: تحديد طلبات الأطراف:

يقوم الوسيط بسؤال الأطراف عن طلباتهم بشكل منفرد أو جماعي.

خامساً: تقريب وجهات النظر وكشف آثارها:

يقوم الوسيط بتقريب وجهات النظر من خلال الخيارات المطروحة من الطرفين، ومحاولة تبصيرهم بالآثار القانونية والمالية والاجتماعية لهذه الخيارات، وتحفيزهم لاختيار القرار الذي يخدم مصالحهم المشتركة.

سادساً: تحرير محضر الوساطة:

في حال اتفاق الأطراف على تسوية النزاع بشكل كامل أو جزئي، فإن الوسيط يقوم بتحرير محضر الاتفاق واستكمال بنوده اللازمة لتنفيذه بشكل صحيح، وسد ثغراته القانونية، ومراعاة مصالح جميع الأطراف، واتخاذ موقف الحياد عند تحريره دون ميل أو إجحاف بحق أي طرف منهما.

ولايفوتني في الختام تذكير المتعاقدين بأن الذي منحهم فرصة التعاقد الأول هو القادر سبحانه على تعويضهم بفرص تجارية أفضل إذا احتسبوا الأجر والثواب من الله تعالى، قال عليه الصلاة والسلام: "من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه"، كما أذكرهم بقول الحبيب عليه الصلاة والسلام: "رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى".

وأذكر الوسيط باحتسب الأجر في الوساطة فقد قال عليه الصلاة والسلام: "المسلمُ أَخو المسلم، لا يَظلِمُه، ولا يُسْلِمُهُ، ومَنْ كَانَ فِي حاجةِ أَخِيهِ كانَ اللَّهُ فِي حاجتِهِ، ومَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بها كُرْبةً مِنْ كُرَبِ يوم القيامةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ الْقِيامَةِ". وقال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبةً منْ كُرب الدُّنْيا نفَّس اللَّه عنْه كُرْبةً منْ كُرَب يومِ الْقِيامَةِ، ومَنْ يسَّرَ عَلَى مُعْسرٍ يسَّرَ اللَّه عليْهِ في الدُّنْيَا والآخِرةِ، ومَنْ سَتَر مُسْلِمًا سَترهُ اللَّه فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، واللَّه فِي عَوْنِ العبْدِ مَا كانَ العبْدُ في عَوْن أَخيهِ".