كنتُ في مراحل سابقة أربط بداياتي الجديدة بالمحطات الكبيرة في حياتي: بداية سنة هجرية أو ميلادية، فصل دراسي جديد، أو حتى إجازة ممتدة.
كنتُ أرى في تلك اللحظات فرصًا ذهبية لإعادة ترتيب مساري وتحقيق ما فاتني، لكنني مع الوقت أدركت أن انتظارها قد يُؤخّر التغيير ويُضعف أثره.
تدرّجت بعدها إلى بداية كل شهر، ثم بداية كل أسبوع، حتى وصلت إلى قناعة أعمق: كل صباح هو بداية جديدة.
هذا التحوّل لم يكن مجرد تغيير في التقويم، بل كان تحوّلًا في الذهنية وطريقة النظر للحياة.
صرت أتعامل مع كل يوم كمساحة مستقلة، لا تحكمها إخفاقات الأمس، ولا تثقلها طموحات الغد.
أعيش اليوم بكامل حضوره، أبدأه بطاقة إيجابية، وأبني فيه خطوات صغيرة متراكمة تصنع الفارق على المدى الطويل.
لكن الحياة ليست خطًا مستقيمًا. هناك أيام أفتقد فيها السيطرة لأسباب خارجة عن إرادتي: مرض، سفر، أو ضغط أعمال. في هذه اللحظات، أتوقف عن المقاومة، وأسمح لنفسي بالانسياب مع الأحداث، مع وعد داخلي بأن أستعيد السيطرة في أول فرصة سانحة: بداية الأسبوع، أو بداية الشهر.
هذا التوازن بين الصرامة والانضباط من جهة، والمرونة والرحمة من جهة أخرى، جعل البدايات اليومية عادة قابلة للاستمرار، وليست مجرد دفعة حماس مؤقت.
وقد أشار عدد من المفكرين إلى جوهر هذا المفهوم، وإن اختلفت زوايا طرحهم. ففي العادات الذرية، يؤكد جيمس كلير على أهمية العودة السريعة بعد التعثر، وأن التقدم يُصنع بالاستمرارية لا بالكمال. أما روبن شارما في نادي الخامسة صباحًا، فقد ربط الانطلاقة اليومية بوضوح الهدف والانضباط الذاتي. وذهب ستيفن كوفي في العادات السبع إلى أن "تجديد الذات" عادة أساسية لاستعادة التوازن. كما أن فلسفة الوعي الكامل تعزز هذا المعنى بدعوتها للتعامل مع كل لحظة باعتبارها بداية ممكنة لمن يحضرها بوعي.
إن ما أقدمه هنا ليس تكرارًا لما قيل، بل هو خلاصة تجربة إنسانية عشتها ووجدت أثرها: أن تمنح نفسك بداية جديدة كل صباح، بهدوء، وبدون ضجيج، لتصنع فارقًا حقيقيًا في حياتك.
✍🏼 د. عبدالله بن علي العجلان
محامٍ، ومحكم، ومدرب معتمد
مستشار التطوير والتمكين للإدارات القانونية والشركات
رؤية ثلاثية تجمع بين (القانون، والقيادة، والحياة)
📱 966503140401+ (واتساب)
🌐 dr-alajlan.com